السبت، 20 أكتوبر 2012

بحقدٍ أقلّ

جلال الأحمدي *


بحقدٍ أقلّ من هذا بكثيرٍ
جلال الأحمدي
توصّلنا إلى الدّببة وأسماك القرش والتّماسيح
وجلبنا الغابة من العدم !

بأقلّ من هذا
صقلنا السّيوف واخترعنا البنادق
زوّدنا رؤوسها بالسّكاكين وقلوبها بالرّصاص
وخضنا معارك لأجل أشياء تافهة
حاربنا كالجراد
كالخفافيش
في وضح النّهار
كالطّاعون !
الطّاعون تماماً
قّتلنا وقُتلنا
ولم نجد صيغةً نهائيةً لما نريد

بأقلّ من هذا
طاردنا الهنود الحمر
حوّلناهم بمحض أمزجتنا إلى كائناتٍ متوحّشةٍ
آكليّ لحومٍ ومصاصيّ دماءٍ
سلخنا فرواتهم
انتزعناهم من أحلامهم
من ضحكاتهم
من التّبغ
من أغانيهم الدّافئة
ومن هذا العالم للأبد
وعلّقنا أعناقهم على بوّاباتنا
فعلنا كلّ ذلك وأكثر
بحقدٍ أقلّ !

خرجنا في العتمة
في منتصف أحبّكَ
خرجنا في شدّة أحتاجكَ وأريدكَ
وتركنا ظهورأ كثيرةً عاريةً خلفنا
تركنا أيدٍ تتمدّد وحدها في النّدم
أيدٍ جريحةً تموء
تحت مسامير الفقد
ذهبنا إلى الشوارع
إلى المساجد
إلى العرّافات
إلى الكتب
إلى العاهرات
وتبادلنا الظّلم
تبادلنا الحافّة والفراغ
تبادلنا القدر
أخذناه معنا إلى السّرير
وخبّأناهُ في أحشاء أطفالنا
وبكينا
بحقدٍ أقلّ من هذا بكثيرٍ ياصغيرتي !
بحقدٍ أقل !.


مَجاز


أجلسُ وحيداً في المحطّةِ
المحطّة التي تجلسُ وحيدةً بي
أفتحُ مظلّتي للغياب الذي بجانبي
وأتخيل وجوهاً للأرصفة
أطلق أسماء حزينة على الحقائب
وأخرى مضحكة أفرّقها على الكلاب
أجلس وحيداً كـ أبدٍ
أراقبُ الذين يودّعونَ أحبابَهم
والذين يعودُونَ من البعيد ..محمّلين بالهدايا ورائحة التّعبِ
أراقبُ الحمّالين وهم يعانقونَ الغرباءَ
وأحسدُ القطط الضّالة 
وهي تستلقي فوق سِككِ الحديد
غير مبالية بصرخاتنا المختنقة
ولا بأكشاكِ الهاتف وهي تئنّ
وأشعر أنّني كنتُ هنا مِن قبل
ربّما في حياةٍ أخرى
كنتُ مطراً !

أو قطاراً !.
ـــــــــــــــــــ

* شاعر من اليمن يقيم حالياً في المملكة العربية السعودية - تبوك.
  عمل محرراً ومراسلاً لمجلتي ضفاف وأفنان ( من إصدارات أدبي تبوك ) السعودية.
  حاصل على جائزة الدولة في مجال الشعر لعام 2011 _ اليمن.
  له مطبوع شعري بعنوان ( شجرة للندم أو أكثر ).