الاثنين، 9 أغسطس 2010

ثلاث قصائد لإستدراج المطر

مُهنّد يعقوب

(1)

أعرفُ جيداً
بأني جارٌ لشجرة ميتة
ربما
لم أسئ الظن
العصافيرُ الراقدةُ في الرحيل
سوف لن تعود ثانية
بسبب الحروب التي دارتْ
بين أبي وحديقة المنزل .


(2)

أنا وموجة
تقابلنا وجهاً لوجه على جمرة
لا أعرفُ في أي وقت حصل ذلك بالتحديد
لكني أتذكر
حين لامستْ شفتاي رعشتها
تحولتْ الى غيمة .. وطارتْ.


(3)

أحلمُ بحجر لم يولد بعد
وبرسائل تأتي
من سلفادور دالي
أفتحها
أخرجُ جميع حروفها المبتلّة بالدهشة
أطرقُ
أطرقُ بذائقة
كمن يقطف قطرةً من كوب ماء
أطرقُ القصيدة
ثم أعلقها على جدار بيت المجانين.

قبعةُ الرؤيا

مُهنّد يعقوب

فيما النافذةُ تطلُ على جثةِ الليل
صَفعتْ الريحُ فجأة ,
وجهَ الغرفةِ بتعاليمها القلقة
لم يتسن لي وقتها كما في أي وقت مماثل
أن اتشبّثَ ببالون الصمت
الذي طار بعيداً
وتركني قرب جدار عمره خطوة واحدة
صار عليَّ بعد الآن
بعد أن ظللتني قبعة الرؤيا والتفرّس
أن لا أبقى ثاوياً
وكمرض حديث الولادة
شاكستُ شوكة التباطؤ
أنفقتُ لليل .. ذلك الكائن المختبئ فيَّ كحسرة
والذي أتلفني بعيب روحه المتخشبة
أنفقتُ الخطوة ذاتها
تاركاً ظلي يتضرع في حائط
جاهز كهذا العالم للإنكفاء بعناية .







أسئلة ودبابيس

مُهنّد يعقوب

أي وقت سيمر
دون ان أكف , عن تثبيت الاسئلة
في ياقة الهواء ؟
دون ان أخسر طموحي في البهجة ؟
دون ان أرمي بنفسي
خارج حدود نفسي ؟
كان علي
ان لا أحكم اغلاق النوافذ جيدا
وامنحه فرصة للنجاة بريشه
كان علي
ان لا أضيق عليه المكان
وان لا احاصره في ظلامه المربع
كان عليَّ اساساً
ان أستبدل الفكرة
وأجرب الطيران
ولو من طرف واحد
مستعيناً
بالمهفة التي ورثتها عن جدتي
والتي كانت تستخدمها لطرد الصيف
لذا
أخرج لسانه
لذا تعرق من شدة التقصي
لذا سقط
لذا تكسر في رئتي ا ل ه و ا ء
مخلفاً وراءه
اسئلة كثيرة
ودبابيس ..

آية الله العظمى .. قراءة في دلالات اللقب


مُهنّد يعقوب

الشيخ مرتضى الانصاري
تشيرمقالة الكاتب صلاح نيّوف " الله في إيران " المنشورة على شبكة الانترنيت الى ظهور لقب " آية الله العظمى " مع الشيخ الانصاري 1214 هـ . الا انه من الصعب تحديد المناسبة الطبيعية التي من خلالها تمت صياغته واستخدامه لدى رجالات الدين وتحديداً الذين ينتمون الى المذهب الامامي الجعفري ممن حصل منهم على درجة الاجتهاد , بطريقة لا تخلو من لغط وضبابية وانعدام المعايير العلمية المعمول بها في المراكز والمؤسسات العلمية والتربوية الاكاديمية في العالم كما هو معروف . ولا يعدم هذا الامر قيمة المنجزات الفكرية والفلسفية التي قدمها بعض هؤلاء الرجال على مرّ التاريخ سواء المتصلة بالمعرفة العملية او المعرفة الدينية واللاهوتية . لكن يبقى الجانب الاجرائي والمناسبة التي يُمنح من خلالها لقب " آية الله العظمى " تشوبها الاوصاف التي ذكرناها لاسباب تتعلق بطبيعة المقاصد والظروف التي تساعد على اكتساب هذا اللقب والاندراج تحته كوظيفة اعتبارية , وما له من أهمية في اعطاء دور ومكانة دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية مريبة. وما يثير هنا ليس فقط هذا الجانب من التسمية وانما طبيعة اللقب نفسه والاثر السايكولوجي الذي يستبطنه ويمنحه قوة وتأثير خارقين على مستهلكي الفكر الديني واللاهوتي.

مهما كانت الاسباب التي من خلالها تمت صياغة هذا اللقب واستخدامه يبقى أثره النفسي على الجمهور من أجل تحقيق الطاعة والانقياد الاعمى احد أهم الاهداف التي سعى الى تحقيقها المنضوون تحت ذات اللقب , لقابليته على التأثير كجرس يرتبط بالسماء بالدرجة الاولى وقدرته للاستحواذ على قلوب وعقول وحياة الناس بسبب الطاقة السلبية والرهبة اللذين يمنحهما هذا الاستخدام من خلال استعادة مفهوم الله مادياً وبصرياً برجل الدين بوصفه ممثلاً عن الله ووسيطاً بينه وبين الناس في ترتيب وتنظيم حياتهم اليومية بل وحتى تنظيم وترتيب موتهم والطريقة المثلى التي يختفون بها من الحياة !.

قد ترتبط بعض الالقاب التي وقف خلفها رجال الدين من قبيل " حجة الله , حجة المسلمين , ثقة الاسلام , ثقة الله " الى آخره من الالقاب الدينية العشوائية بجانب أخلاقي وايماني معين , و لكن تبقى ماركة " آية الله العظمى " كإشارة هي أقصى درجات النرجسية والمبالغة لدى مجموعة آيات الله , وأكثرها بعداً عن الزهد والتواضع الذي ينبغي ان يتحلى بهما رجال الدين قبل غيرهم من بين فئات المجتمع. وليس من المغالاة في شيء فيما اذا حاولنا حصر الدور الذي تلعبه هذه المغامرة المدروسة بعناية في صياغة اللقب لتحقيق مقاصد ترتبط بالهيمنة والزعامة بكل مستوياتها واشكالها داخل حلقة مضغوطة كحلقة رجال الدين بمجمل انتماءاتهم المذهبية والدينية . ولو تتبعنا بعض الالقاب والكُنى التي أرتبطت بالانبياء مثلاً سوف لن نعثر على هذا الاستخدام المثير للريبة والاستهجان. فمحمد مثلاً لم يُكنى بأكثر من أبي القاسم , او أبي ابراهيم وفي الخطابات الرسمية كان ُيلقب نفسه بمحمد رسول الله , ولن تجد ما يثير الاستغراب في طبيعة هذه الشخصية المتواضعة , رغم ان طبيعة مهامه الوظيفية الخاصة تفرض عليه اجراءات عدة من قبيل تأصيل البعد الترغيبي والترهيبي للتأثير على المخاطبين بالديانة الجديدة لكسب ولائهم وتأييدهم , ومع ذلك لم يظهر بصيغة خارج الصيغة الانسانية والطبيعية المباشرة المتصلة بشخصة واسمه , وان كان مكتفياً ومدعوماً بالدرجة الاساس بمنجز ثقافي وديني كخطاب شفاهي يغلب عليه الطابع الاستفهامي والاسطوري في بعض المناسبات .وكذلك بالنسبة لثقافة الكُنية واللقب لدى العرب لم تكن مرتبطة بتحقيق مقاصد سياسية ودينية واقتصادية الهدف منها تشييد امبراطورية مالية وبيروقراطية دينية كالتي يسعى لتحقيقها رجال الدين من خلال القاب سحرية كهذه .

كان العرب وبقية المجتمعات الانسانية خارج الجزيرة العربية لديهم ثقافة الكنية او اللقب على السواء وكل هذه الاستخدامات لم تخرج عن سياقها الانساني والاجتماعي المرتبط بحياة الناس العفوية , ولا يتعدى الامر لديهم أبعد من كونه نشاطاً ثقافياً وانسانياً واجتماعياً خالصاً. فكان الشخص يُكنى او يُلقب لاعتبارت كثيرة منها على سبيل المثال الصفة الجسدية كالطويل , والقصير, والجاحظ , والاعشى , والاخفش, والمكانه الاجتماعية والاسرية بين الناس, وكذلك حسب المهن والاعمال التي يجيدونها كالحدّاد , والنجّار, والورّاق , او حسب البعد المناطقي والجغرافي والعرقي , كالبصري والبغدادي والنجفي , والعربي والتركي والفارسي .. الخ , ولا يختلف الامر بالنسبة للحيوانات والامكنة والنجوم والكواكب وبعض الحالات الاجتماعية كما في أم سمحة كناية عن العنزة , وأم القرى كناية لمكة , وأم شملة للشمس , وأم ليلى للخمر, وأبو موسى للجوع وهكذا . ولم نر هذه القصديات المشبوهة المتوارية خلف لقب " آية الله العظمى " بتراكيبه اللغوية السحرية المبالغ فيها داخل النسق الثقافي لدى المجمتعات الانسانية. وبالتالي فالعملية تنطوي على اشارات خارج سياق النسق الاجتماعي والثقافي التي عليها استخدامات الكُنى والالقاب عموماً . 
فيما  لو حاولنا تعقب البناء الدلالي لصيغة " آية الله العظمى " سنعثر على الكثير من التجاوزات على المستوى الحِرَفي والمهني , وكذلك الكثير من التجاوزات على مستوى الذوق والامانة . فمفردة " آية " تدل على معنى المعجزة والخرق للنظام الطبيعي والفيزيقي , وتدل ايضاً على الصيغة التي تصدر بها القرآن فيما بعد كطقطيع جملي كل مجموعة آيات تندرج ضمن سورة كما عليه الشكل الحالي للقرآن , ولم نعثر على مناسبة مهنية او موضوعية تبيح انزياح مفهوم الآية من استخدامها الاصطلاحي واللغوي في المعاجم الى لقب لمجموعة من الاشخاص جُل حسناتهم انهم أناس ذو سلوكيات واشكال وزي خاص يشتغلون على تفسير وتحليل الخطاب الديني , والذي يمكن ان يشترك به معهم اي باحث ودارس ومهتم بهذا الحقل خارج سلسلة الالقاب والتمييز الطبقي والادمي. وعموم الممارسة كلها لا تتطابق مع طبيعة اللقب بدلالته العالية والمنفتلة عن اي معيار مهني وأكاديمي محدد وثابت مثلما هو الامر بالنسبة لبقية الالقاب العلمية كما في لقب طبيب الذي يندرج تحته شخص مهني متخصص في معالجة الانسان وقت حصول مشاكل صحية تعترضه , وهكذا الحال مع المهندس والمحامي والفيزيائي وغيره .

تندرج هذه الالقاب العلمية المتفق عليها عالمياً تحت مهنة ذات خصوصية محددة وواضحة ومطابقة للقب ، ولا توجد مناسبة لان يندرج متخصص العلوم الدينية بعد سلسة من المراتب العشوائية غير المنضبطة لكي يصل الى رتبة الاجتهاد تحت لقب" آية الله العظمى " ؟ وحتى لو توقفنا عند معنى مفردة " الآية " التي يمكن ان تشير للانسان بشكل عام والتي تدل على معنى الحجة او البرهان , لكن قيد " الله " و" عظمى " لا يترك لنا متسعاً للتأويل ، فهو أي رجل الدين المجتهد ليس آية عادية , بل آية الهية وعظمى ايضاً, مما لا يفسح المجال أمامنا لخيار آخر غير حصر صناعة اللقب ودلالته في سياق طبقي ولاهوتي يشترك مع الطبيعة المتعالية لفكرة الله نفسها والتي رشحها لنا رجل الدين من خلال اسماء الله الحسنى والاشتغال الكلامي والفلسفي حولها. فهل هناك فرصة لان يخلِّص رجل الدين المجتهد نفسه من هذا الاستدعاء الخطير لمفهوم الله مادياً وبصرياً لاختياره هذا اللقب وسعيه لان يساوي الله في حضوره المقدس والمهيب عند المؤمنين فيه ؟!.

من الصعب في مكان ايجاد مناسبة لغوية او اصطلاحية يمكن ان نضبط من خلالها هذا اللقب وطريقة استخدامه لدى هذه الشريحة من الناس بالاعتماد على طبيعة الاشتغال الفكري والمجال الذي يعملون عليه , لوجود مفارقات كثيرة على مستوى طبيعة التخصص واختلافه جذرياً عن مجال استخدام اللقب نفسه. فالعملية بالنهاية لا تخرج عن كونها أغنية بلحن نشاز الهدف منها استغلال النِسب العالية لتوفر الله في اللقب نفسه والمشحون فيه للتأثير على الناس وكسب ولائهم وطاعتهم بطرق خارج السياق المألوف الذي ينبغي ان يكون عليه الايمان نفسه , سواء كان ايماناً بالله او بتشريعاته السماوية التي ليس منها الايمان بنائب عنه في أمور الدنيا والآخرة متمثلاً برجل الدين بوصفه سمكرياً لحياة الآخرين حال تعرضت هذه الحياة لحوادث تنفيها او تسبب لها بعض الكدمات, ولكأن الناس قد خسروا حياتهم منذ البدء فما على هذا الرجل السوبرلاهوت الا ان ينقذها بطرق ابرزها صناعة لقب يصعب على الناس مقاومته لانه يرتبط بطبيعة وجودهم المعدة سلفاً من الناحية الدينية والاجتماعية , ويرتبط كذلك بعامل يعد أبرز العوامل المهمة التي يحقق من خلالها الانسان عموماً ايمانه بدينه ومذهبه وعقائده الروحانية, والذي عبر عنه الشيخ الغزالي بالعامل " الجوّاني ". فالناس مرتبطة بالله والعقائد المتصلة به من خلال هذا البعد السايكولوجي الهش وليس ارتباطاً وفق مبدأ الشك والتحليل والمقارنة , ورجالات الدين يعون تماماً ما لهذا البعد من أثر بالغ الاهمية على الناس من حيث مطاوعتهم وقبولهم وتسليمهم للخطاب الذي تنتجه المؤسسة الدينية نفسها والمكانة التي تضع فيها رجالاتها بتصنيفات ومسميات والقاب متعددة , تصل لحد المبالغة والتضخيم المباشرين , ولم تكتف بذلك بل استحدثت وظائفاً مهامها انتاج خطاب آخر غير الخطاب الرسمي , يغلب عليه الانفعال ويعتمد تلحين البعد العقائدي والكلامي من خلال ما يسمى بالرواديد والشعراء الشعبيين , فينتقل علم الكلام مثلاً من مكانته الفلسفية الى فضاءالتداول المحكي البسيط والساذج والمشوه كما حصل ذلك بالنسبة للمناسبات الدينية والتي منها حادثة كربلاء والبعد التراجيدي الذي صيغت به وكيف تم الدفع بها الى مستوى التلحين والتداول المحلي والشعبي لحد ان اصبحت لدينا نسخاً مشوهة لله والدين والشخصيات والالقاب والمناسبات , الهدف منها في النهاية تحقيق زعامة وسيادة دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية وهيمنة على عقول وقلوب الناس المأخوذين بالدين والعقائد والالقاب كأغنية مزيفة ولحن نشازعلى حساب الحقيقة الانسانية المرنة والسهلة لمعنى الدين والحياة وما يرتبط بهما, وبالتالي يجب العمل على تخليص الله من المتمسكين به بلقب لا يرقى الى مستوى التمثيل والاستعمال الامينين.